النيّة في الأعمال: إرادة وعزيمة وثبات
________________________________________
لنتجاوز عقبة (التذبذب في النيّة) ونؤطر أعمالنا بنيّة خالصة مادمنا نؤمن بالله واليوم الآخر ونؤدي سائر الفروض والواجبات وندرُس العلوم الدينية ونعظ الناس ويؤلف بعضنا الكتب لهدايتهم
- مهما أوتي الإنسان من الإحاطة في البلاغة والدراية إلا أنه يبقى على سواحل بحار معاني كلمات أهل البيت سلام الله عليهم لأنهم أرومة اللغة وسادات الأدب والبلاغة
شبكة النبأ: إن النية هي الأساس في العمل، وهي إطار العمل، والاختيار يبقى بيد الإنسان، لكن بما أنه مكبل ومشدود إلى الأرض فهو بحاجة إلى تأييد رباني.
إن الذين يتسلقون الجبال يمسكون بحبل أحد طرفيه مثبت في أعلى الجبل، فالمتسلّق منهم وإن تراه يصعد بعزيمته وجهده وفكره وأعصابه إلا انه مع ذلك لابد له من وجود ذلك الحبل لأن أدنى زلة منه قد تؤدي بحياته او تهشم عظامه، إذا ما هوى، فلا العزيمة وحدها كافية دون الحبل ولا الحبل وحده كاف دون العزيمة، لأن من لا عزيمة وقوة له لا يستطيع التسلق وإن كان هناك حبل، كما أن الإرادة والعزيمة غير كافيتين دون الحبل لأن الطريق صعب ومحفوف بالمخاطر، وأن أدنى غفلة او زلة تنتهي بصاحبها إلى التحطم والهلاك.
هكذا الحال بالنسبة للنية ونجاحها، فإنها تتطلب إرادة وعزيمة وتصميما من العبد، وتوكلا منه على الله تعالى إلى جانب ذلك، فإن التوكل وحده دون إرادة واختيار من العبد لا يكفي كما ان اعتماد العبد على إرادته وحدها دون مدد من الله هو أيضا غير مضمون النتائج.
تلك الوسيلة التي تعين العبد على تسلق درجات المعرفة والكمال والفلاح، وهي النية والتوكل على الله تعالى.
ثبات النية
انه مهما أوتي الإنسان من الإحاطة في البلاغة والدراية إلا أنه يبقى على سواحل بحار معاني كلمات أهل البيت (سلام الله عليهم) لأنهم أرومة اللغة وسادات الادب والبلاغة، ومن الأمثلة على ذلك كلمات الإمام علي بن الحسين (سلام الله عليه) في دعاء مكارم الأخلاق: ( وفّر بلطفك نيتي).
إن الثبات على النية أصعب شيء على النفس لأنها متذبذبة بالنسبة إلى النية ذبذبة غريبة، ومثاله التذبذب الذي يحصل لنا في الصلاة، فربما تبدلت نية بعضنا في الصلاة الواحدة أكثر من عشرين مرة! فقد يبدأ الشخص صلاته بنية تنسجم وقول أمير المؤمنين (سلام الله عليه): ( إلهي ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك)، فيبدأ تكبيرته بهذه النية، ولكن بمجرد أن يتم التكبير تهجم على ذهنه الأفكار، فإذا كان خطيبا مثلا فكّرَ في المجلس الذي ينتظره، وإذا كان تاجرا فكّر في تجارته وهكذا. فهل هذا هو المراد من التكبير؟! هل كبّر الخطيب ليبدأ الإعداد لمجلسه مثلا؟ إن الإعداد للمجلس أمر حسن ولا بأس به، ولكن ليس إثناء الصلاة.
إن مسألة الثبات على النية تعتبر بحد ذاتها مسالة صعبة جدا. فإن الإنسان مهما أوتي من توفيق وإخلاص حتى لو استمر عليه سبعين سنة فانه لا يؤمن من تزلزل نية نفسه، لأن الإنسان مكبل ومشدود بغرائز وأهواء مختلفة.
لقد ورد في كثير من الآيات الكريمة والأحاديث القدسية والروايات الشريفة أن جمهرة عظيمة وكبيرة من الناس يدخلون جهنم لعدم ثبات نياتهم، قال تعالى: ( مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا الى هؤلاء) سورة النساء / 143.
لولا لطفك
إن كلمة اللطيف: صفة من صفات الله تعالى وأسمائه. ولها معاني عديدة منها الرفيق، التوفيق.
فكأن الداعي يقول: يا إلهي أنت رفيق بعبادك، فبرفقك يا إلهي وفّر نيتي، ويا الهي أنت الموفق لعبادك توفق وتعصم وفق مشيئتك، فبتوفيقك يا الهي اعصم نيتي.
لقد أودع الله تعالى في الإنسان من الطاقات ما هي كفيلة بتصحيح مساره، لكنه ـ الإنسان كثيرا ما يضعف عن صيانة نيته وحفظها عن الزيغ والتذبذب، فتراه يعجز عن الصعود والارتقاء بها إلى درجات الكمال العليا، لذا يقول الإمام السجاد (عليه السلام): (اللهم وفّر بلطفك نيتي).
إطار العمل
تعتبر النية إطار العمل، فالعمل لا لون له، شفّاف مثل الماء الصافي الذي لم تخالطه أجزاء ترابية او شوائب أخرى، فلو كان الماء صافيا جدا وصب في إناء زجاجي شفاف، حينها لا يتمكن الإنسان أن يبصر حد الماء من بعيد بسهولة، خصوصا إذا كان ساكنا لا تموج فيه، وذلك لان الماء في الأصل لا لون فيه وإنما يكتسب لون الإناء الذي يوضع فيه او لون الشيء الذي يمتزج معه، او غير ذلك.
فالعمل كالماء بصفاته، وأن النية هي ذلك الشيء الذي يمنحه لونه.
الخوف كل الخوف ان يأتي اليوم الذي ينتشر فيه اللاعمل فلكل فرد منا مئات من الأعمال في حياته، لأن العمل ليس منبرا او تدريسا او بناء حسينية فحسب، بل كل نظرة وكل نفحة، وكل تأمل وتفكر وكل لمسة وهمسة ولمزة وخلسة، وكل استماع ونجوى وتعبير، ولابد ان تحصى هذه الأعمال كلها عند الله تعالى وتنشر يوم القيامة، ليكتشف عن عدد هائل من اللاعمل بعدد مصاديق الأعمال المجردة عن النية الحسنة.
فكيف يتصور قبول عمل من شهر سيفه في وجه الإمام علي (عليه السلام) وهو ميزان الأعمال يوم القيامة؟! أي بمودة علي (ع) توزن أعمال العباد ليعرف ثقلها، ويتحقق قول الله تعالى: ( فأما من ثقلت موازينه* فهو في عيشة راضية* وأما من خفت موازينه* فأمه هاوية) سورة القارعة /6 ـ 8.
أيعقل ان يجعل الله تعالى علياً (ع) ميزانا ومعيارا لأعمال الخلائق وفيصلا بين الحق والباطل، يدور الحق معه حيثما دار، ثم يرضى بمحاربته وإشهار السيف بوجهه؟!.
النية قبل العمل وحينه وبعده
ان النية تؤثر في العمل سواء كانت قبل العمل او حينه أو بعده لا فرق، سوى أن فسادها بعد العمل يفسده دون أن يبطله. الفقهاء (رضوان الله عليهم) قد فصلوا الأمر وقالوا: إن النية إذا كانت فاسدة حين العمل ـ أي كان العمل لغير الله كما لو كان رياء مثلا ـ فهذه النية الفاسدة تفسد العمل وتبطله، ولكنها إن فسدت بعد العمل فهي لا تبطل العمل بل تفسده فقط. ولا يتناقض هذا الفهم مع مفهوم الروايات المتقدمة فضلا عن منطوقها بل هو فهم يفرق بين البطلان الذي يعني لزوم إعادة العمل وبين الإفساد الذي عني عدم القبول.
فلو أن شخصا صدر منه الرياء أثناء الصلاة، فلا شك حينئذ بفساد الصلاة وبطلانها في الحالتين، الأمر الذي يستوجب الإعادة في الوقت، والقضاء خارج الوقت إن فاته.
ولكن لو فرضنا أن الشخص لم تكن هذه نيته ولكنه بعد ان أتم الصلاة حدثته نفسه بالرياء والتظاهر، وعمل بذلك، فتحدث لغيره عن صلاته وخشوعه فيها، فهنا يقول الفقهاء إن الصلاة وإن فسدت فهي لا تبطل، ويعنون بذلك عدم بطلانها الظاهري، وهذا المعنى مساوق لعدم وجوب الإعادة او القضاء.
أما الروايات التي تقول باشتراط حسن النية حتى بعد العمل فهي ناظرة على القبول، ولذلك فإن هذه الصلاة تساوق العدم من حيث الأجر والقبول وإن لم تستلزم إعادة في الدنيا لسقوط التكليف بالفراغ منها قبل حصول الخلل في النية. أما الخلل الحاصل حين العمل فهو مخل بالركنين الصحة والقبول معا، لذلك عد من رائي أثناء صلاته كمن صلى بلا وضوء او مستدبر القبلة او مع النجاسة غير المعفو عنها وما أشبه، ومن ثم فتجب عليه الإعادة، والقضاء إن لم يعد في الوقت، بل تجب على ورثته قضاؤها إن لم يقضها، على التفصيل المذكور في الكتب الفقهية.
لنؤطر أعمالنا بنية خالصة
لنتجاوز هذه العقبة الكؤود ـ عقبة التذبذب في النيةـ ونؤطر أعمالنا بنية خالصة مادمنا نؤمن بالله واليوم الآخر ونؤدي سائر الفروض والواجبات وندرس العلوم الدينية ونعظ الناس ويؤلف بعضنا الكتب لهدايتهم او لبيان معالم الدين، لأننا ـ مع الأسـف ـ نرى أن بعض الناس بعيدون حتى عن أوليات الدين الحنيف، لذا يلزم أن نبذل جهدا متميزا في الوصول الى أحسن البيات.
غاية الأمر أنه يحتاج الى تركيز وتصميم من الله تعالى واستشفاع بأهل البيت ( سلام الله عليهم). فإن العمل الخالص هو الذي لا تريد أن يمدحك عليه أحد وإن كان هذا أمرا صعب المنال ولكنه ممكن.
بعد ساعات أو أيام او شهور او سنين كل حسب اجله ـ سننتقل الى الدار الآخرة حينها نتأسف لعدم استثمار حياتنا وأعمارنا في العمل بإخلاص وان عمدة همنا كان منصبا في التظاهر بأعمالنا وذواتنا.
صحيح انه ينبغي في بعض الموارد او يستحب بل قد يجب أن يظهر الإنسان نفسه، ومثاله: أن تكتب اسمك على الكتاب الذي تؤلفه ليعرف انه لك فيؤخذ بما فيه إن كنت ممن يوثق بكلامه. ولكن ليكن كتابة اسمك من أجل التوثيق لا لكي تري نفسك وتظهر ذاتك لأجل التفاخر وما أشبه.
هذا الأمر يتطلب انتباها مستمرا وتوكلا على الله تعالى فرب غفلة أدت الى سقوط مميت! كالذين يقودون سياراتهم في طرق ذات منعطفات ومزالق خطيرة تتطلب منهم انتباها ويقظة وحذرا لكي لا تؤدي بهم الغفلة الى خسارة أعمارهم او البقاء معوقين طيلة حياتهم!
________________________________________
لنتجاوز عقبة (التذبذب في النيّة) ونؤطر أعمالنا بنيّة خالصة مادمنا نؤمن بالله واليوم الآخر ونؤدي سائر الفروض والواجبات وندرُس العلوم الدينية ونعظ الناس ويؤلف بعضنا الكتب لهدايتهم
- مهما أوتي الإنسان من الإحاطة في البلاغة والدراية إلا أنه يبقى على سواحل بحار معاني كلمات أهل البيت سلام الله عليهم لأنهم أرومة اللغة وسادات الأدب والبلاغة
شبكة النبأ: إن النية هي الأساس في العمل، وهي إطار العمل، والاختيار يبقى بيد الإنسان، لكن بما أنه مكبل ومشدود إلى الأرض فهو بحاجة إلى تأييد رباني.
إن الذين يتسلقون الجبال يمسكون بحبل أحد طرفيه مثبت في أعلى الجبل، فالمتسلّق منهم وإن تراه يصعد بعزيمته وجهده وفكره وأعصابه إلا انه مع ذلك لابد له من وجود ذلك الحبل لأن أدنى زلة منه قد تؤدي بحياته او تهشم عظامه، إذا ما هوى، فلا العزيمة وحدها كافية دون الحبل ولا الحبل وحده كاف دون العزيمة، لأن من لا عزيمة وقوة له لا يستطيع التسلق وإن كان هناك حبل، كما أن الإرادة والعزيمة غير كافيتين دون الحبل لأن الطريق صعب ومحفوف بالمخاطر، وأن أدنى غفلة او زلة تنتهي بصاحبها إلى التحطم والهلاك.
هكذا الحال بالنسبة للنية ونجاحها، فإنها تتطلب إرادة وعزيمة وتصميما من العبد، وتوكلا منه على الله تعالى إلى جانب ذلك، فإن التوكل وحده دون إرادة واختيار من العبد لا يكفي كما ان اعتماد العبد على إرادته وحدها دون مدد من الله هو أيضا غير مضمون النتائج.
تلك الوسيلة التي تعين العبد على تسلق درجات المعرفة والكمال والفلاح، وهي النية والتوكل على الله تعالى.
ثبات النية
انه مهما أوتي الإنسان من الإحاطة في البلاغة والدراية إلا أنه يبقى على سواحل بحار معاني كلمات أهل البيت (سلام الله عليهم) لأنهم أرومة اللغة وسادات الادب والبلاغة، ومن الأمثلة على ذلك كلمات الإمام علي بن الحسين (سلام الله عليه) في دعاء مكارم الأخلاق: ( وفّر بلطفك نيتي).
إن الثبات على النية أصعب شيء على النفس لأنها متذبذبة بالنسبة إلى النية ذبذبة غريبة، ومثاله التذبذب الذي يحصل لنا في الصلاة، فربما تبدلت نية بعضنا في الصلاة الواحدة أكثر من عشرين مرة! فقد يبدأ الشخص صلاته بنية تنسجم وقول أمير المؤمنين (سلام الله عليه): ( إلهي ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك)، فيبدأ تكبيرته بهذه النية، ولكن بمجرد أن يتم التكبير تهجم على ذهنه الأفكار، فإذا كان خطيبا مثلا فكّرَ في المجلس الذي ينتظره، وإذا كان تاجرا فكّر في تجارته وهكذا. فهل هذا هو المراد من التكبير؟! هل كبّر الخطيب ليبدأ الإعداد لمجلسه مثلا؟ إن الإعداد للمجلس أمر حسن ولا بأس به، ولكن ليس إثناء الصلاة.
إن مسألة الثبات على النية تعتبر بحد ذاتها مسالة صعبة جدا. فإن الإنسان مهما أوتي من توفيق وإخلاص حتى لو استمر عليه سبعين سنة فانه لا يؤمن من تزلزل نية نفسه، لأن الإنسان مكبل ومشدود بغرائز وأهواء مختلفة.
لقد ورد في كثير من الآيات الكريمة والأحاديث القدسية والروايات الشريفة أن جمهرة عظيمة وكبيرة من الناس يدخلون جهنم لعدم ثبات نياتهم، قال تعالى: ( مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا الى هؤلاء) سورة النساء / 143.
لولا لطفك
إن كلمة اللطيف: صفة من صفات الله تعالى وأسمائه. ولها معاني عديدة منها الرفيق، التوفيق.
فكأن الداعي يقول: يا إلهي أنت رفيق بعبادك، فبرفقك يا إلهي وفّر نيتي، ويا الهي أنت الموفق لعبادك توفق وتعصم وفق مشيئتك، فبتوفيقك يا الهي اعصم نيتي.
لقد أودع الله تعالى في الإنسان من الطاقات ما هي كفيلة بتصحيح مساره، لكنه ـ الإنسان كثيرا ما يضعف عن صيانة نيته وحفظها عن الزيغ والتذبذب، فتراه يعجز عن الصعود والارتقاء بها إلى درجات الكمال العليا، لذا يقول الإمام السجاد (عليه السلام): (اللهم وفّر بلطفك نيتي).
إطار العمل
تعتبر النية إطار العمل، فالعمل لا لون له، شفّاف مثل الماء الصافي الذي لم تخالطه أجزاء ترابية او شوائب أخرى، فلو كان الماء صافيا جدا وصب في إناء زجاجي شفاف، حينها لا يتمكن الإنسان أن يبصر حد الماء من بعيد بسهولة، خصوصا إذا كان ساكنا لا تموج فيه، وذلك لان الماء في الأصل لا لون فيه وإنما يكتسب لون الإناء الذي يوضع فيه او لون الشيء الذي يمتزج معه، او غير ذلك.
فالعمل كالماء بصفاته، وأن النية هي ذلك الشيء الذي يمنحه لونه.
الخوف كل الخوف ان يأتي اليوم الذي ينتشر فيه اللاعمل فلكل فرد منا مئات من الأعمال في حياته، لأن العمل ليس منبرا او تدريسا او بناء حسينية فحسب، بل كل نظرة وكل نفحة، وكل تأمل وتفكر وكل لمسة وهمسة ولمزة وخلسة، وكل استماع ونجوى وتعبير، ولابد ان تحصى هذه الأعمال كلها عند الله تعالى وتنشر يوم القيامة، ليكتشف عن عدد هائل من اللاعمل بعدد مصاديق الأعمال المجردة عن النية الحسنة.
فكيف يتصور قبول عمل من شهر سيفه في وجه الإمام علي (عليه السلام) وهو ميزان الأعمال يوم القيامة؟! أي بمودة علي (ع) توزن أعمال العباد ليعرف ثقلها، ويتحقق قول الله تعالى: ( فأما من ثقلت موازينه* فهو في عيشة راضية* وأما من خفت موازينه* فأمه هاوية) سورة القارعة /6 ـ 8.
أيعقل ان يجعل الله تعالى علياً (ع) ميزانا ومعيارا لأعمال الخلائق وفيصلا بين الحق والباطل، يدور الحق معه حيثما دار، ثم يرضى بمحاربته وإشهار السيف بوجهه؟!.
النية قبل العمل وحينه وبعده
ان النية تؤثر في العمل سواء كانت قبل العمل او حينه أو بعده لا فرق، سوى أن فسادها بعد العمل يفسده دون أن يبطله. الفقهاء (رضوان الله عليهم) قد فصلوا الأمر وقالوا: إن النية إذا كانت فاسدة حين العمل ـ أي كان العمل لغير الله كما لو كان رياء مثلا ـ فهذه النية الفاسدة تفسد العمل وتبطله، ولكنها إن فسدت بعد العمل فهي لا تبطل العمل بل تفسده فقط. ولا يتناقض هذا الفهم مع مفهوم الروايات المتقدمة فضلا عن منطوقها بل هو فهم يفرق بين البطلان الذي يعني لزوم إعادة العمل وبين الإفساد الذي عني عدم القبول.
فلو أن شخصا صدر منه الرياء أثناء الصلاة، فلا شك حينئذ بفساد الصلاة وبطلانها في الحالتين، الأمر الذي يستوجب الإعادة في الوقت، والقضاء خارج الوقت إن فاته.
ولكن لو فرضنا أن الشخص لم تكن هذه نيته ولكنه بعد ان أتم الصلاة حدثته نفسه بالرياء والتظاهر، وعمل بذلك، فتحدث لغيره عن صلاته وخشوعه فيها، فهنا يقول الفقهاء إن الصلاة وإن فسدت فهي لا تبطل، ويعنون بذلك عدم بطلانها الظاهري، وهذا المعنى مساوق لعدم وجوب الإعادة او القضاء.
أما الروايات التي تقول باشتراط حسن النية حتى بعد العمل فهي ناظرة على القبول، ولذلك فإن هذه الصلاة تساوق العدم من حيث الأجر والقبول وإن لم تستلزم إعادة في الدنيا لسقوط التكليف بالفراغ منها قبل حصول الخلل في النية. أما الخلل الحاصل حين العمل فهو مخل بالركنين الصحة والقبول معا، لذلك عد من رائي أثناء صلاته كمن صلى بلا وضوء او مستدبر القبلة او مع النجاسة غير المعفو عنها وما أشبه، ومن ثم فتجب عليه الإعادة، والقضاء إن لم يعد في الوقت، بل تجب على ورثته قضاؤها إن لم يقضها، على التفصيل المذكور في الكتب الفقهية.
لنؤطر أعمالنا بنية خالصة
لنتجاوز هذه العقبة الكؤود ـ عقبة التذبذب في النيةـ ونؤطر أعمالنا بنية خالصة مادمنا نؤمن بالله واليوم الآخر ونؤدي سائر الفروض والواجبات وندرس العلوم الدينية ونعظ الناس ويؤلف بعضنا الكتب لهدايتهم او لبيان معالم الدين، لأننا ـ مع الأسـف ـ نرى أن بعض الناس بعيدون حتى عن أوليات الدين الحنيف، لذا يلزم أن نبذل جهدا متميزا في الوصول الى أحسن البيات.
غاية الأمر أنه يحتاج الى تركيز وتصميم من الله تعالى واستشفاع بأهل البيت ( سلام الله عليهم). فإن العمل الخالص هو الذي لا تريد أن يمدحك عليه أحد وإن كان هذا أمرا صعب المنال ولكنه ممكن.
بعد ساعات أو أيام او شهور او سنين كل حسب اجله ـ سننتقل الى الدار الآخرة حينها نتأسف لعدم استثمار حياتنا وأعمارنا في العمل بإخلاص وان عمدة همنا كان منصبا في التظاهر بأعمالنا وذواتنا.
صحيح انه ينبغي في بعض الموارد او يستحب بل قد يجب أن يظهر الإنسان نفسه، ومثاله: أن تكتب اسمك على الكتاب الذي تؤلفه ليعرف انه لك فيؤخذ بما فيه إن كنت ممن يوثق بكلامه. ولكن ليكن كتابة اسمك من أجل التوثيق لا لكي تري نفسك وتظهر ذاتك لأجل التفاخر وما أشبه.
هذا الأمر يتطلب انتباها مستمرا وتوكلا على الله تعالى فرب غفلة أدت الى سقوط مميت! كالذين يقودون سياراتهم في طرق ذات منعطفات ومزالق خطيرة تتطلب منهم انتباها ويقظة وحذرا لكي لا تؤدي بهم الغفلة الى خسارة أعمارهم او البقاء معوقين طيلة حياتهم!