آداب التهيؤ النفسي للصلاة
________________________________________
إن للعبادات ملكوتا وباطنا.. فليس الحج هذه الحركات التي يؤديها الحجاج فحسب!.. وباطن الصلاة، ليس هذه الحركات المعهودة فحسب!.. وروايات النبي -صلى الله عليه وعلى آله- وأهل البيت (عليهم السلام)، تؤشر إشارة من بعيد بل من قريب إلى هذه الحقيقة.. ولعل هذا الحديث، مما يلقي الضوء على هذا المجال، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (لو يعلم المصلي ما يغشاه من جلال الله، ما سره ان يرفع رأسه من السجود).. وقال الصادق (عليه السلام): (إذا قام المصلي إلى الصلاة، نزلت عليه الرحمة من أعنان السماء إلى الأرض، وحفّت به الملائكة، وناداه ملك: لو يعلم هذا المصلي، ما في الصلاة ما انفتل)!.. أي أنه ما ترك الصلاة لو التفت إلى ملكوت الصلاة، والمعاني التي تحملها الصلاة بين يدي الله عز وجل.
إن على الإنسان أن يعيش حالة من الترقب للصلاة، فالإنسان المؤمن الذي يريد أن يصل إلى ملكوت الصلاة، لا بد وأن يعيش هذا الهاجس قبل دخول الوقت، مترقبا للصلاة بكل شوق.. إن الأمور الكبرى في الحياة، والمعاني السامية تبدأ بالتلقين، وتتحول إلى واقع، وعلى الإنسان أن لا يملّ من التلقين المستمر.. فالسير إلى الله -عز وجل- حركة معاكسة لطبيعة الإنسان لجهتين: لوجود قوة دافعة.. ولوجود قوة مانعة.
علينا ان نعلم أن هناك قوة دافعة، تدفع الإنسان الذي يريد أن يصل إلى الله -عز وجل- إلى اتجاه معاكس لما يريده ، أي تدفعه إلى: الميل إلى شهوات الدنيا، والتثاقل إلى الأرض، وتقديم العاجل على الآجل، وتقديم اللذة على الفكرة، وتقديم المصلحة الآنية على المصلحة المستقبلية.. أضف إلى ذلك أن العبادة هي تعامل وتفاعل مع عالم الغيب، والغيب إذا بقي غيبا محضا، فإنه لم يعد داعيا لحركة الإنسان.. فالذي يؤمن بالله وبالمبدأ والمعاد؛ ولكن لا يعيش حقيقة شهودية في قلبه، فإن من الطبيعي أن لا يسير إلى الله -عز وجل- سيراً حثيثاً؛ ومن الطبيعي أن يحاول معاكسة التيار.. فالسباح الذي يريد أن يسبح خلاف التيار، يحتاج فى أول الأمر إلى تكلف ومعاناة ومجاهدة، إلى أن يتعود ركوب الموجة وتجاوز العقبات.
وعليه، فإن مسألة الدخول في بحر الصلاة، تحتاج إلى تهيؤ نفسي مسبق.. فقبل دخول الوقت، يا حبذا لو يجعل الإنسان حائلا بينه وبين الصلاة؛ أي منطقة برزخية حائلة بين العالمين: فلا هي صلاة، ولا هي تعامل مع البشر.. ولهذا يلاحظ بأن القرآن الكريم، يؤكد على هذه الحقيقة: ألا وهو التسبيح قبل طلوع الشمس، وقبل الغروب.. فعلى الإنسان أن يجلس في المصلى قبل أن تغرب الشمس، وفي مكان يهيئ نفسه للدخول بين يدي الله -عز وجل- بذكر بعض التسبيحات، والتهليلات، وباقي المستحبات بحيث يخرج تدريجياً من جو التفاعل مع عناصر هذه الدنيا.
ومن هنا فإن صلاة المؤمن تبدأ قبل الوقت بفترة طويلة، فالصلحاء والأولياء يعدون أنفسهم للقاء المولى قبل ساعة او ما يقرب منه .. بينما عامة الناس يفاجؤهم الوقت مفاجأة ولعلهم يتمنون فى قرارة أنفسهم أن لا يدخل عليهم الوقت؛ لكيلا يفسد عليهم لهوهم!.. وإذا كان ولا بد أن يصلي في المنزل -لا في بيت من بيوت الله عز وجل- فعليه أن يهيأ مكانا فارغا للعبادة فى منزله إثباتا لترقبه وميله إلى لقاء مولاه.
إن اتخاذ مكان ثابت فى المنزل للصلاة بين يدى الله تعالى، لمن دواعي التوجه، والتركيز، والإقبال على رب العالمين!.. فمن المستحب أن يجعل الإنسان في بيته، محلاً خاصاً للصلاة بين يدي الله عز وجل، إذ كلما جاء إلى المصلى، تذكر ساعات إقباله، إذ لعله بالأمس، أو قبل أيام كان خاشعاً في هذا المكان، ولعل دموعه كانت جارية على خديه.. ومن المعلوم أن هذا الجو مفعم بأجواء الروح والريحان؛ فكلما دخل هذا المكان، أحس بتلك الأجواء، ولهذا نقرأ في القرآن الكريم: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً}.. فمن هذه الآية يبدو أن مريم، اتخذت محراباً ومكاناً ثابتاً، للعبادة بين يدي الله سبحانه وتعالى.. فتبين بما ذكرنا أن هذه الفترة الحائلة بين العمل اليومي وبين الصلاة مسألة مهمة.
وإن من صور التهيؤ المقترحة: أن يسجد الإنسان بين يدي الله عز وجل، قبل دخول الوقت في سجود عبادي تأملي.. فإننا -مع الأسف- نتخذ السجود وسيلة للعبادة وللذكر فحسب، وقد يتحول السجود إلى حركة بدنية محضة، لإظهار التذلل بين يدي الله عز وجل؛ ولكن حقيقة السجود، حقيقة جامعة مستوعبة.. فما المانع أن يعيش الإنسان أجواء مختلفة: من التذلل، والمناجاة، والتأمل فيما سيقبل عليه من اللقاء بين يدي الله عز وجل؟!..
إن من موجبات التوفيق والتهيؤ للصلاة الخاشعة، مراقبة السلوك بين الفريضتين.. أي أن من موجبات التوفيق للصلاة، هي مراقبة السلوك بين الحدين.. فمن المعلوم ان الذنب السابق للصلاة؛ يؤثر على توجه الإنسان، فعندما يأتي إلى الصلاة، يأتي وهو يعيش جوا من أجواء البعد عن الله عز وجل.. وهناك تعبير جميل في كتب الأخلاق مفاده : ان من يلطخ نفسه بالعسل، ثم يقترب من بيت الزنابير، فإن من الطبيعي أن تهجم عليه الزنابير، لتلدغه في كل بقعة من بقاع جسده؛ لأن العسل الذى لطخ به بدنه يغري مثل هذه الزنابير.
ان هذا المثال مقدمة للقول: بأن الشياطين تستهوي هذا الإنسان العاصي المنهمك في لذاته ، وفي معاصيه وغفلاته.. وعليه، فإنه عندما يقف للصلاة بين يدي الله عز وجل، تهجم عليه الشياطين والأوهام والخواطر الحقة منها والباطلة.. بحيث ينتهي من الصلاة، وهو لا يفقه كلمة من كلمات صلاته، وإلا فما هي دواعي الشك في الصلاة؟..
إن الشكوك الصلاتية لها حلول فقهية واضحة، حيث يبنى على الاكثر مثلا ويأتى بصلاة الاحتياط.. ولكن أصل عروض الشك حالة سلبية عند الخواص!.. فليس من المقبول أن يصاب المؤمن المتوجه في صلاته، بحالات الشك والذهول، بحيث يصل الأمر إلى أن يشك بين الركعة الثانية والركعة الرابعة مثلا فالركعة الثانية فيها قنوت ومناجاة مع رب العالمين فيقال في الركعة الثانية: من الطبيعى أن الإنسان يأخذ عزه ودلاله في الحديث مع الله عز وجل بينما الركعة الرابعة: فيها رائحة الوداع، بما تستلزمه من الهم والغم إذ إن الانسان بعد لحظات سينتهي من لقاء الله عز وجل.. فعالم القنوت عالم يغاير تماماً عالم التشهد والتسليم، فكيف يخلط المؤمن بين الركعة الثانية، وبين الركعة الرابعة؟!.. بل حتى الركعة الثالثة؟!..
وعليه فإن الشك الكثير في الصلاة، والسهو الكثير فيها، علامة على نوع من أنواع الإدبار فيها، وعدم التوجه الكامل للمضامين الصلاتية، وعدم الانغماس فى بحرها.
والحقيقة التى لا يمكن إنكارها أن الإنسان في حياته يحتاج إلى من يبث إليه همومه، إذ إن من الطبيعى أن نقول: أن الذي لا أنيس له، ولا صديق له، ولا متنفس له، ولا مفزع له في الحياة ، قد يعيش فى بعض الحالات: حالة الكبت، والتبرم، ثم الانفجار، وبعد ذلك الانهيار الكامل.. فإذا كان الإنسان العادي يتخذ بين فترة وأخرى من هو سبيل وذريعة لتفريغ الهموم، فلماذا لا يتخذ من الصلاة مثل هذه المحطة، لتفريغ همومه وذلك مع القدير على كشف كل كربة.
أن أئمة أهل البيت(عليهم السلام) والنبي (صلى الله عليه واله وسلم) ، كانوا يفزعون إلى الصلاة كلما أهمهم أمر والمؤمن يجب أن يكون كذلك، ليس في المسجد فحسب وإنما في الحالات المختلفة كجوف الليل، ووضح النهار، وفى السوق وفي المنزل، فعندما يكون في قمة الغضب واليأس والنظرة السوداوية في الحياة، يذهب ويتخذ زاوية من المنزل، ليتكلم مع رب العالمين تكلم المستغيث اللهفان
نعم، إذا جعل الإنسان الصلاة ذريعة للحديث مع الله عز وجل تحولت الصلاة إلى أحلى محطة من محطات الأنس وتحولت الصلاة في حياة البعض إلى محطة للتلذذ والارتياح، تلك المحطة التي لا تقارن بمحطات التلذذ المادي بالمتاع الزائل، الذي تفنى لذته ويبقى وزره
________________________________________
إن للعبادات ملكوتا وباطنا.. فليس الحج هذه الحركات التي يؤديها الحجاج فحسب!.. وباطن الصلاة، ليس هذه الحركات المعهودة فحسب!.. وروايات النبي -صلى الله عليه وعلى آله- وأهل البيت (عليهم السلام)، تؤشر إشارة من بعيد بل من قريب إلى هذه الحقيقة.. ولعل هذا الحديث، مما يلقي الضوء على هذا المجال، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (لو يعلم المصلي ما يغشاه من جلال الله، ما سره ان يرفع رأسه من السجود).. وقال الصادق (عليه السلام): (إذا قام المصلي إلى الصلاة، نزلت عليه الرحمة من أعنان السماء إلى الأرض، وحفّت به الملائكة، وناداه ملك: لو يعلم هذا المصلي، ما في الصلاة ما انفتل)!.. أي أنه ما ترك الصلاة لو التفت إلى ملكوت الصلاة، والمعاني التي تحملها الصلاة بين يدي الله عز وجل.
إن على الإنسان أن يعيش حالة من الترقب للصلاة، فالإنسان المؤمن الذي يريد أن يصل إلى ملكوت الصلاة، لا بد وأن يعيش هذا الهاجس قبل دخول الوقت، مترقبا للصلاة بكل شوق.. إن الأمور الكبرى في الحياة، والمعاني السامية تبدأ بالتلقين، وتتحول إلى واقع، وعلى الإنسان أن لا يملّ من التلقين المستمر.. فالسير إلى الله -عز وجل- حركة معاكسة لطبيعة الإنسان لجهتين: لوجود قوة دافعة.. ولوجود قوة مانعة.
علينا ان نعلم أن هناك قوة دافعة، تدفع الإنسان الذي يريد أن يصل إلى الله -عز وجل- إلى اتجاه معاكس لما يريده ، أي تدفعه إلى: الميل إلى شهوات الدنيا، والتثاقل إلى الأرض، وتقديم العاجل على الآجل، وتقديم اللذة على الفكرة، وتقديم المصلحة الآنية على المصلحة المستقبلية.. أضف إلى ذلك أن العبادة هي تعامل وتفاعل مع عالم الغيب، والغيب إذا بقي غيبا محضا، فإنه لم يعد داعيا لحركة الإنسان.. فالذي يؤمن بالله وبالمبدأ والمعاد؛ ولكن لا يعيش حقيقة شهودية في قلبه، فإن من الطبيعي أن لا يسير إلى الله -عز وجل- سيراً حثيثاً؛ ومن الطبيعي أن يحاول معاكسة التيار.. فالسباح الذي يريد أن يسبح خلاف التيار، يحتاج فى أول الأمر إلى تكلف ومعاناة ومجاهدة، إلى أن يتعود ركوب الموجة وتجاوز العقبات.
وعليه، فإن مسألة الدخول في بحر الصلاة، تحتاج إلى تهيؤ نفسي مسبق.. فقبل دخول الوقت، يا حبذا لو يجعل الإنسان حائلا بينه وبين الصلاة؛ أي منطقة برزخية حائلة بين العالمين: فلا هي صلاة، ولا هي تعامل مع البشر.. ولهذا يلاحظ بأن القرآن الكريم، يؤكد على هذه الحقيقة: ألا وهو التسبيح قبل طلوع الشمس، وقبل الغروب.. فعلى الإنسان أن يجلس في المصلى قبل أن تغرب الشمس، وفي مكان يهيئ نفسه للدخول بين يدي الله -عز وجل- بذكر بعض التسبيحات، والتهليلات، وباقي المستحبات بحيث يخرج تدريجياً من جو التفاعل مع عناصر هذه الدنيا.
ومن هنا فإن صلاة المؤمن تبدأ قبل الوقت بفترة طويلة، فالصلحاء والأولياء يعدون أنفسهم للقاء المولى قبل ساعة او ما يقرب منه .. بينما عامة الناس يفاجؤهم الوقت مفاجأة ولعلهم يتمنون فى قرارة أنفسهم أن لا يدخل عليهم الوقت؛ لكيلا يفسد عليهم لهوهم!.. وإذا كان ولا بد أن يصلي في المنزل -لا في بيت من بيوت الله عز وجل- فعليه أن يهيأ مكانا فارغا للعبادة فى منزله إثباتا لترقبه وميله إلى لقاء مولاه.
إن اتخاذ مكان ثابت فى المنزل للصلاة بين يدى الله تعالى، لمن دواعي التوجه، والتركيز، والإقبال على رب العالمين!.. فمن المستحب أن يجعل الإنسان في بيته، محلاً خاصاً للصلاة بين يدي الله عز وجل، إذ كلما جاء إلى المصلى، تذكر ساعات إقباله، إذ لعله بالأمس، أو قبل أيام كان خاشعاً في هذا المكان، ولعل دموعه كانت جارية على خديه.. ومن المعلوم أن هذا الجو مفعم بأجواء الروح والريحان؛ فكلما دخل هذا المكان، أحس بتلك الأجواء، ولهذا نقرأ في القرآن الكريم: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً}.. فمن هذه الآية يبدو أن مريم، اتخذت محراباً ومكاناً ثابتاً، للعبادة بين يدي الله سبحانه وتعالى.. فتبين بما ذكرنا أن هذه الفترة الحائلة بين العمل اليومي وبين الصلاة مسألة مهمة.
وإن من صور التهيؤ المقترحة: أن يسجد الإنسان بين يدي الله عز وجل، قبل دخول الوقت في سجود عبادي تأملي.. فإننا -مع الأسف- نتخذ السجود وسيلة للعبادة وللذكر فحسب، وقد يتحول السجود إلى حركة بدنية محضة، لإظهار التذلل بين يدي الله عز وجل؛ ولكن حقيقة السجود، حقيقة جامعة مستوعبة.. فما المانع أن يعيش الإنسان أجواء مختلفة: من التذلل، والمناجاة، والتأمل فيما سيقبل عليه من اللقاء بين يدي الله عز وجل؟!..
إن من موجبات التوفيق والتهيؤ للصلاة الخاشعة، مراقبة السلوك بين الفريضتين.. أي أن من موجبات التوفيق للصلاة، هي مراقبة السلوك بين الحدين.. فمن المعلوم ان الذنب السابق للصلاة؛ يؤثر على توجه الإنسان، فعندما يأتي إلى الصلاة، يأتي وهو يعيش جوا من أجواء البعد عن الله عز وجل.. وهناك تعبير جميل في كتب الأخلاق مفاده : ان من يلطخ نفسه بالعسل، ثم يقترب من بيت الزنابير، فإن من الطبيعي أن تهجم عليه الزنابير، لتلدغه في كل بقعة من بقاع جسده؛ لأن العسل الذى لطخ به بدنه يغري مثل هذه الزنابير.
ان هذا المثال مقدمة للقول: بأن الشياطين تستهوي هذا الإنسان العاصي المنهمك في لذاته ، وفي معاصيه وغفلاته.. وعليه، فإنه عندما يقف للصلاة بين يدي الله عز وجل، تهجم عليه الشياطين والأوهام والخواطر الحقة منها والباطلة.. بحيث ينتهي من الصلاة، وهو لا يفقه كلمة من كلمات صلاته، وإلا فما هي دواعي الشك في الصلاة؟..
إن الشكوك الصلاتية لها حلول فقهية واضحة، حيث يبنى على الاكثر مثلا ويأتى بصلاة الاحتياط.. ولكن أصل عروض الشك حالة سلبية عند الخواص!.. فليس من المقبول أن يصاب المؤمن المتوجه في صلاته، بحالات الشك والذهول، بحيث يصل الأمر إلى أن يشك بين الركعة الثانية والركعة الرابعة مثلا فالركعة الثانية فيها قنوت ومناجاة مع رب العالمين فيقال في الركعة الثانية: من الطبيعى أن الإنسان يأخذ عزه ودلاله في الحديث مع الله عز وجل بينما الركعة الرابعة: فيها رائحة الوداع، بما تستلزمه من الهم والغم إذ إن الانسان بعد لحظات سينتهي من لقاء الله عز وجل.. فعالم القنوت عالم يغاير تماماً عالم التشهد والتسليم، فكيف يخلط المؤمن بين الركعة الثانية، وبين الركعة الرابعة؟!.. بل حتى الركعة الثالثة؟!..
وعليه فإن الشك الكثير في الصلاة، والسهو الكثير فيها، علامة على نوع من أنواع الإدبار فيها، وعدم التوجه الكامل للمضامين الصلاتية، وعدم الانغماس فى بحرها.
والحقيقة التى لا يمكن إنكارها أن الإنسان في حياته يحتاج إلى من يبث إليه همومه، إذ إن من الطبيعى أن نقول: أن الذي لا أنيس له، ولا صديق له، ولا متنفس له، ولا مفزع له في الحياة ، قد يعيش فى بعض الحالات: حالة الكبت، والتبرم، ثم الانفجار، وبعد ذلك الانهيار الكامل.. فإذا كان الإنسان العادي يتخذ بين فترة وأخرى من هو سبيل وذريعة لتفريغ الهموم، فلماذا لا يتخذ من الصلاة مثل هذه المحطة، لتفريغ همومه وذلك مع القدير على كشف كل كربة.
أن أئمة أهل البيت(عليهم السلام) والنبي (صلى الله عليه واله وسلم) ، كانوا يفزعون إلى الصلاة كلما أهمهم أمر والمؤمن يجب أن يكون كذلك، ليس في المسجد فحسب وإنما في الحالات المختلفة كجوف الليل، ووضح النهار، وفى السوق وفي المنزل، فعندما يكون في قمة الغضب واليأس والنظرة السوداوية في الحياة، يذهب ويتخذ زاوية من المنزل، ليتكلم مع رب العالمين تكلم المستغيث اللهفان
نعم، إذا جعل الإنسان الصلاة ذريعة للحديث مع الله عز وجل تحولت الصلاة إلى أحلى محطة من محطات الأنس وتحولت الصلاة في حياة البعض إلى محطة للتلذذ والارتياح، تلك المحطة التي لا تقارن بمحطات التلذذ المادي بالمتاع الزائل، الذي تفنى لذته ويبقى وزره